: :
ظاهرة التدين البديل
مقالة علاء الأسوانى
فى جريدة الدستور فى 23/7/2008
هل نزل الإسلام من أجل تغطية شعر المرأة؟
فى العام الماضى، هاجم الوزير فاروق حسنى الحجاب فوقف أعضاء الحزب الوطنى فى مجلس الشعب يدافعون بضراوة عن الحجاب والمحجبات. وبلغ الحماس بأحدهم أن صاح فى وجه فاروق حسنى (أنت فتنة على الإسلام) ثم سقط مغشيًا عليه من فرط الإنفعال... ووجدتنى أتساءل: إذا كان ممثلو الحزب الحاكم يحرصون على الإسلام إلى هذا الحد.. ألم يفكروا قط فى أن تزوير الإنتخابات وإعتقال الأبرياء وتعذيبهم وهتك أعراضهم ونهب أموال المصريين وإفقارهم وغيرها من الجرائم التى يرتكبها النظام الذى يمثلونه لا يمكن أن تتفق مع مبادئ الإسلام.
من المعروف أن كثيرًا من ضباط أمن الدولة ملتزمون دينيًا، يؤدون الصلاة فى أوقاتها ويصومون ويحجون إلى بيت الله.. لكن ذلك لا يمنعهم أبدًا من ممارسة عملهم اليومى فى التعذيب والضرب وإستعمال الكهرباء فى صعق المعتقلين....
فى نفس السياق تربطنى علاقة مصاهرة بمسؤل بارز فى الحكومة إشتهر بتزوير الإنتخابات والإعتداء على إستقلال القضاء وهو معروف فى محيط الأسرة بتدينه العميق حتى إنه يعطى أقاربه دروسا فى الفقه...
الأمثلة لا تحصى: كثير من المصريين يؤدون فرائض الدين بإخلاص لكنهم فى حياتهم اليومية يتصرفون بطريقة أبعد ما تكون عن الدين.... فى شهر رمضان الماضى نشرت جريدة المصرى اليوم تحقيقًا ممتازًا عن المستشفيات العامة ساعة الإفطار، حيث إكتشفت أن معظم الأطباء يتركون المرضى بدون رعاية حتى يتمكنوا من أداء صلاة التراويح، الذين يفعلون ذلك ليسوا جهلاء بل هم أطباء متعلمون لكنهم ببساطة يعتبرون أن صلاة التراويح أهم بكثير من رعاية المرضى حتى ولو كانت حياتهم فى خطر...
المسألة إذن ليست مجرد نفاق أو جهل.. وإنما هى وعى فاسد بالدين يؤدى إلى نوع من التدين الظاهرى الذى يشكل بديلاً عن الدين الحقيقى.
وهذا التدين البديل مريح وخفيف ولا يكلف جهدًا ولا ثمنًا لأنه يحصر الدين فى الشعائر والمظاهر.
فالدفاع عن مبادئ الإسلام الحقيقية: العدل والحرية والمساواة. مسألة محفوفة بالمخاطر فى مصر ستؤدى بك حتمًا إلى السجن وقطع الرزق والتشريد. أما التدين البديل فلن يكلفك شيئًا: وهو يمنحك إحساسًا كاذبًا بالطمأنينة والرضا عن النفس...
الذين يتبنون التدين البديل يصومون ويصلون ويحيون الناس بتحية الإسلام ويلزمون زوجاتهم وبناتهم بالحجاب والنقاب. وربما يشتركون فى مظاهرة ضد الرسوم الدانمركية أو منع الحجاب فى فرنسا أو يكتبون إلى بريد الأهرام منددين بالكليبات العارية.. وهم يعتقدون بعد ذلك أنهم قد أدوا واجبهم الدينى كاملاً غير منقوص.
وهم لا يكترثون إطلاقًا للشأن السياسى ولا يهتمون بموضوع التوريث.. بل إن بعضهم لا يرى بأسًا فى أن يورث البلد من الأب إلى الإبن وكأنه مزرعة دواجن المتدين البديل لا يعتقد أساسًا أن له حقوقًا سياسية كمواطن وفكرة الديمقراطية لا تشغله وأقصى ما يفعله بهذا الصدد أن يدعو الله (أن يولى علينا من يصلح). ثم يحدثك بحماس عن عظمة الخلفاء العظام مثل عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز.
التدين البديل مرض محزن أصاب المصريين فأدى بهم إلى السلبية والغفلة. وجعلهم قابلين للإستبداد والقمع..
ولم تكن هذه طبيعة المصريين. فمنذ 1919 وحتى عام 1952 خاضت الحركة الوطنية المصرية بقيادة حزب الوفد نضالاً عنيفًا وقدمت آلاف الشهداء من أجل طرد الإحتلال البريطانى وتحقيق الديمقراطية.
والحق أن إنتشار التدين البديل له أسباب عديدة: فحتى نهاية السبعينات كان المصريون مسلمين وأقباطًا أقل إهتمامًا بمظاهر الدين وأكثر تمسكاً بمبادئه الحقيقية حتى جاء أنور السادات الذى إستعمل الدين لترجيح كفته السياسية ضد اليسار المعارض. ثم إندلعت الثورة الإيرانية لتشكل تهديدًا حقيقيًا للنظام السعودى المتحالف مع الفكر السلفى الوهابى.
وعلى مدى ثلاثة عقود أنفق النظام السعودى مليارات الدولارات من أجل نشر الفهم السعودى للإسلام الذى يؤدى بالضرورة إلى التدين البديل.
وكل من يجادل فى هذه الحقيقة عليه أن يراجع التناقض الفاحش بين المظهر والجوهر فى المجتمع السعودى، وفى القنوات الفضائية السعودية يظهر يوميًا عشرات المشايخ الذين يتكلمون على مدى 24 ساعة عن تعاليم الإسلام. ولا يتكلم أحد منهم أبدًا عن حق المواطن فى إنتخاب من يحكمه أو قوانين الطوارئ والتعذيب والإعتقالات...
الفكر السلفى يؤسس للتدين البديل الذى يريحك من تبعات إتخاذ موقف حقيقى من أجل العدل والحرية.
بل إن بعض الدعاة الجدد يفخرون ويفخر أتباعهم بأنهم قد نجحوا فى إقناع فتيات كثيرات بإرتداء الحجاب.
وكأن الإسلام العظيم قد نزل من عند الله من أجل تغطية شعر المرأة وليس من أجل العدل والحرية والمساواة.
على أن النظام الإستبدادى فى مصر قد حرص دائمًا على إنتشار التدين البديل
No comments:
Post a Comment