تقرير امين مطر.. عن مصريين فى البيت الابيض


اعندما وصلت الى ساحة البيت الأبيض، ولم ألحظ وجود قبطي واحد على الأقل خطر في بالي أمرين، الأول هو اني ربما أخطأت في قراءة موعد المسيرة القبطية ، أما الأمر الثاني والذي طغى بكثير على الأول فهو اني فكرت بان هذه المسيرة القبطية سيكون حالها حال مسيرة قبطية قبل سنتين أو أكثر حيث تم الدعوة لها لكن وللاسف ان عدد الذين حضروا في تلك المسيرة لم يتجاوز عدد أصابع اليدين. .

بعد الثانية عشرة بقليل حضر ثلاثة أشخاص بينهم فتاة يحملون معهم لافتات عرفت من شعاراتها انهم أقباط مصريون. حتى هذه اللحظة مازال التشاؤم التام يسيطر عليَ، خصوصا واني شخصيا أعول كثيرا على دور التحركات القبطية اذا كتُب لها النجاح ليس في تغيير وضع أكبر أقليات الشرق وربما العالم في مصر فحسب وانما سيكون له دورا كبيرا في تغيير وضع الأقليات والديمقراطية في بلاد الشرق الاوسط جميعها. غادرت المكان المفترض للمسيرة باحثا عن مكان أحتسي فيه قهوتي التي لم أشربها صباحا، وحين عدتُ بعد أقل من عشر دقائق ملأتني الفرحة من بعيد وأن أشاهد أعدادا غفيرة في ذات المكان الذي تركت فيه الاشخاص الثلاثة يرتبون لافتاتهم.

نساء وأطفال ورجال كبار في العمر وشباب، حملوا لافتاتهم وبدأوا يسيرون بشكل دائري أمام البيت الأبيض، ويرددون شعاراتهم التي تعبر عن مطالبهم، ومناصرتهم لاخوانهم الاقباط في الداخل المصري، بعد أن تزايدت بشكل ملحوظ الجرائم التي ترتكب بحقهم هناك، والتي لم يكن أولها مجزرة الكشح ولن يكون آخرها بالتأكيد مجزرة دير أبو فانا، وكان قد تناهى الى مسامعي وأنا في المسيرة مقتل شاب قبطي في مدينة المطامير بمحافظة البحيرة.

لا أسلمة بالقوة بعد الأن..أوقفوا قتل المسيحين في مصر.. لماذا يجب أن نموت..نريد العدالة والمساواة..يا مبارك يا رئيس الدم القبطي مش رخيص..ياحرية وينك وينك أمن الدولة بيني وبينك، وأضيف من عندي للشعار الأخير "النصوص الاسلامية بيني وبينك". تلك كانت أهم الشعارات التي هتف بها أقباط مصر وهي شعارات واقعية تعبر بشكل جزئي عن واقع الحال المؤلم في مصر وكثير من بلدان الشرق الأوسط، وطرح هذه الشعارات الواقعية البسيطة يعبر عن ذكاء منظمي المسيرة فلا غلواء ولا تعصب وكل ماهو مطلوب من الحكومة المصرية هو الحد الادنى من الحقوق التي يجب ان يتمتع بها المسيحي المصري حاله حال أخاه المسلم.

بعد قليل بدأت أعداد غفيرة أخرى من الأقباط تصل الى مكان المسيرة وعرفت سريعا انهم قادمين من ولاية نيوجيرسي وضواحيها ومن نيويورك وضواحيها لوجود عدد من الاشخاص الذين أعرفهم بينهم، لتكتظ المساحة المسموح لهم بالتحرك بها عن أخرها مما استدعى احضار المزيد من رجال البوليس الامريكي تحسبا لاي طارئ قد يحدث في ظل تجمع مثل هذا العدد الكبير، إلا ان جميع المشاركين كانوا يدركون هذا الجانب وتحلى الجميع بمسؤولياتهم حفاظا على المكاسب التي ستتحقق من هذا النشاط السلمي الحضاري.

ما يبعث على الأسى والأسف معا هنا اني ربما كنت المسلم الوحيد الذي يشارك الاقباط مسيرتهم مع العلم أن الدعوة كانت عامة لكل من يهمه أمر حقوق الانسان ووقف القتل بحق المسيحيين المصريين وغيرهم، وكان قد أكد لي السيد منير داوود ان هناك مجموعة من المثقفين المسلمين سيحضرون من ولاية قريبة لواشنطن لكن مع الاسف الشديد مضى الوقت دون أن يحضر أحدا. فيا مثقفي مصر المسلمين وباقي المثقفون العرب أين أنتم؟ وأين تباكيكم على الحرية والعدالة والمساواة؟ أين ليبراليتكم؟ وأين علمانيتكم.


الكتابة عن المجازر التي ترتكب بحق المسحيين في مصر وغزة والعراق وغيرها أمر جميل ومطلوب ولكن ما هو مطلوب أكثر من ذلك هو المساهمة بشكل فعلي في نشاط من شأن مشاركتكم به أن يدفع بأوضاع حقوق الانسان في مصر وغيرها الى الامام..أما ومع عدم حضور أحد منكم فبأس الأحرار ودعاة حقوق الانسان انتم.

بعد ذلك انطلقت الحشود باتجاه مبنى السفارة المصرية ليقوموا بترديد ذات الشعارات، في ذات الوقت الذي تقوم به عناصر استخباراتية مصرية بتصوير المتظاهرون من داخل حرم السفارة ليرسلوا التسجيل بعد ذلك وكما هو معروف الى جهاز امن الدولة عسى ان يتعرفوا على احد من المشاركين ليروه نجوم الضهر في نهار صيف قائظ.

مفارقة عجيبة أسجلها هنا وهو وجود سفارة دولة الامارات العربية المتحدة مقابل السفارة المصرية حيث كان موظفيها يراقبون الوضع من خلف النوافذ، والمفارقة هي اني تذكرت كيف ان دولة مثل الامارات وقطر وهي من الدول المتخلفة بالمفهوم الثوري القومجي بدأ قادتها يفتتحون شخصيا أماكن عبادة للمسيحيين على الرغم ان المسيحيون في الخليج جميعهم من الوافدين باستثناء أعداد قليلة جدا من مواطني تلك الدول، في حين انه من غير المسموح للمسيحيين بناء كنائس جديدة أو ترميم القديمة الا بأوامر كانت رئاسية سابقها ومن ثم أُحيلت الى المحافظين، وطبعا من المستحيل أن يتكرم محافظ ويعطي الترخيص للمسيحيين ببناء كنيسة جديدة أو حتى ترميم دورات المياه في كنيسة قديمة. انتبهوا جيدا هنا بأني أتحدث عن مصر ومسيحييها الذين هم سكانها الأصليون ومازالوا بعد ألف وأربعمائة سنة من المجازر والقتل والظلم والقهر والتطفيش والتهجير أكبر التجمعات المسيحية في الشرق الاوسط.

بعد ان قدم ممثلون عن المتظاهرين عريضة للسفير المصري وقع على استلامها مدير مكتبه، تفرقت الحشود بعد ذلك لتنتهي تلك المسيرة التي سيكون لها آثارا كبيرة وستشكل دفعة قوية الى الامام باتجاه الضغط على النظام المصري وصولا الى اجباره على التعاطي الايجابي مع مطالب المسيحيين المصريين العادلة.

طرائف من المسيرة
كان أغلب المتظاهرين يحملون لافتات بأيديهم ويبدو ان الشخص الذي يسير بجانبي قد تعبت يداه مما يحمل، فطلب مني راجيا أن أريحه بعض الوقت، فوافقت على ذلك مسرورا دون ان انتبه ما الذي ناولني اياه وهذا الشخص لا يعرفني بالطبع ولا يعرف اني مسلم، لأنظر بعد قليل الى أعلى لأتفاجأ بأنه قد ناولني صليبا كبيرا واصلت حمله لبعض الوقت وبدون اي احراج حتى أتى شخصا آخر طلب مني هو أن يحمله.

تفاجأت بحضور ممثلين عن الكنيسة الاثيوبية دعما لاخوانهم المسحيين المصريين في ظل غياب تام للكنيسة المصرية!!